(ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً"25")
وهذه الآية تعطينا لقطة من المذكرة التفصيلية التي أعطاها الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم عن أهل الكهف، وهي تحدد عدد السنين التي قضاها الفتية في كهفهم بأنها ثلاثمائة سنة، وهذا هو عددها الفعلي بحساب الشمس.
لذلك؛ فالحق سبحانه لم يقل ثلاثمائة وتسعاً، بل قال:
{وازدادوا تسعاً "25"}
(سورة الكهف)
ولما سمع أهل الكتاب هذا القول اعترضوا وقالوا: نعرف ثلاثمائة سنة، ولكن لا نعرف التسعة؛ ذلك لأن حسابهم لهذه المدة كان حساباً شمسياً.
ومعلوم أن الخالق سبحانه حينما خلق السماوات والأرض قسم الزمن تقسيماً فلكياً، فجل الشمس عنواناً لليوم، نعرفه بشروقها وغروبها، ولما كانت الشمس لا تدلنا على بداية الشهر جعل الخالق سبحانه الشهر مرتبطاً بالقمر الذي يظهر هلالاً في أول كل شهر، وقد قال تعالى:
{إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض .. "36"}
(سورة التوبة)
فلو حسبت الثلاثمائة سنة هذه بالحساب القمري لوجدتها ثلاثمائة سنة وتسعاً، إذن: هي في حسابكم الشمسي ثلاثمائة سنة، وفي حسابنا القمري ثلاثمائة وتسعاً. ونعرف أن السنة الميلادية تزيد عن الهجرية بأحد عشر يوماً تقريباً في كل عام.
ومن حكمة الخالق سبحانه أن ترتبط التوقيتات في الإسلام بالأهلة، ولك أن تتصور لو ارتبط الحج مثلاً بشهر واحد من التوقيت الشمسي في طقس واحد لا يتغير، فإن جاء الحج في الشتاء يظل هكذا في كل عام، وكم في هذا من مشقة على من لا يناسبهم الحج في فصل الشتاء. والأمر كذلك في الصيام.
أما في التوقيت القمري فإن هذه العبادات تدور بمدار العام، فتأتي هذه العبادات مرة في الصيف، ومرة في الخريف، ومرة في الشتاء، ومرة في الربيع، فيؤدي كل إنسان هذه العبادة في الوقت الذي يناسبه؛ لذلك قالوا: يا زمن وفيك كل الزمن.
والمتأمل في ارتباط شعائر الإسلام بالدورة الفلكية يجد كثيراً من الآيات والعجائب، فلو تتبعت مثلاً الأذان للصلاة في ظل هذه الدورة لوجدت أن كلمة "الله اكبر" نداء دائم لا ينقطع في ليل أو نهار من ملك الله تعالى، وفي الوقت الذي تنادي فيه "الله اكبر" ينادي آخر "أشهد ألا إله إلا الله" وينادي آخر "أشهد أن محمداً رسول الله" وهكذا دواليك في منظومة لا تتوقف.
وكذلك في الصلاة، ففي الوقت الذي تصلي أنت الظهر، هناك آخرون يصلون العصر، وآخرون يصلون المغرب، وآخرون يصلون العشاء، فلا يخلو كون الله في لحظة من اللحظات من قائم أو راكع أو ساجد. إذن: فلفظ الأذان وأفعال الصلاة شائعة في كل أوقات الزمن، وبكل ألوان العبادة.
ثم يقول الحق سبحانه: