(فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عدداً"11")
يقال: ضرب الفسطاط على الأرض يعني الخيمة، أي: غطيت الأرض بها بعد أن كانت فضاءً، والضرب: أن تلمس شيئاً بشيء بشدة شريطة أن يكون المضروب به أقوى من المضروب، وإلا كان الضارب ضارباً لنفسه.
لذلك، فالشاعر عندما تكلم عن المعترضين على القدر قال:
أيا هازئاً من صنوف القدر بنفســك تعنــف لا بالقـــدر
ويا ضارباً صخرة بالعصا ضربت العصا أم ضربت الحجر؟
فمعنى:
{ضربنا على آذانهم .. "11"}
(سورة الكهف)
أي: غطيناها بغطاء محكم يحجبهم عن العالم الخارجي، والضرب على آذانهم هو الرحمة التي دعوا الله بها وطلبوها؛ لأن الإنسان الذي يحمل الفأس مثلاً ويعمل بها إن تعب وأجهده العمل يقف بعض الوقت ليستريح، فإن تعب من الوقوف قعد، فإن تعب من القعود استلقى واضطجع، فإن لم يسترح فلا يبقى إلا أن ينام، ففي النوم تهدأ الأعصاب، ويستريح الإنسان، حتى مع الآلام في أعنف الأمراض إذا نام المريض لا يشعر بشيء من الألم؛ لذلك اختار لهم ربهم هذا الوضع ليريحهم به طوال فترة مكثهم في الكهف.
فالحق سبحانه ـ إذن ـ هو الضارب، والمضروب هو الآذان، والضرب على الآذان هنا للرحمة لا للعذاب؛ لأن الله تعالى أراد لهم أقصى درجات الراحة والنوم الهادئ الذي لا يعكر صفوه شيء، والنوم هو الراحة التامة التي تطغى على الآلام العضوية في الذات الإنسانية.
وقد أختار الحق سبحانه الضرب على آذانهم؛ لأن حاسة السمع هي أول الحواس عملاً في الإنسان، وهي أول آلة إدراك تؤدي مهمتها في الطفل، كما قال الحق سبحانه وتعالى:
{والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون "78"}
(سورة النحل)
هذه الحواس هي منافذ العلم والإدراك للإنسان، فلو وضعت أصبعك أمام عين الطفل المولود تراه لا يرمش؛ لأنه لا يرى إذا بعد ثلاثة إلى عشرة أيام، أما لو صرخت في أذنه فإنه ينتبه فحاسة السمع تؤدي مهمتها منذ ولادته. وكذلك فالأذن تمتاز أيضاً بأنها الإدراك الوحيد الذي لا يتعطل ولا يتوقف أثناء النوم لأن بها يتم الاستدعاء من النوم.
وهؤلاء الفتية دخلوا وأووا إلى الكهف، وهو فجوة في جبل في صحراء وهي عرضة للعواصف والرياح وأصوات الحيوانات وأشياء كثيرة يمكن أن تزعج النائم، فلو تركهم الخالق سبحانه في نومهم هذا على طبيعتهم لأزعجتهم هذه الأصوات وأقلقت راحتهم؛ لذلك عطل حاسة السمع عندهم، وبذلك استطاعوا أن يناموا كل هذه المدة.
ثم يقول تعالى:
{في الكهف سنين عدداً "11"}
(سورة الكهف)
ومعنى عدداً أي: سنين كثيرة؛ لأن القليل لا يعد لأنه معروف، فإن ذكر العد فاعلم أنه للشيء الكثير، كما تقول: فلان عنده مليون عداً ونقداً. ثم يقول الحق سبحانه: