(قيماً لينذر بأساً شديداً من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً حسناً "2")
قوله: (قيماً) أي: القرآن، وقالوا: قيم يعني مستقيم، كأنها تأكيد لقوله:
{ولم يجعل له عوجا "1"}
(سورة الكهف)
لأن الاستقامة والعود قد لا يدرك بالعين المجردة وتحتاج إلى ميزان دقيق يكشف لك مدى العود أو الاستقامة، وهذه الظاهرة تراها في الطرق المستوية المرصوفة، والتي تراها للوهلة الأولى مستقيمة تماماً ومستوية، فإذا ما نزل المطر فضح هذا الاستواء وأظهر ما فيه من عيوب؛ لذلك أكد الاستقامة بقوله:
{قيماً "2"}
(سورة الكهف)
ومن معاني القيم: المهيمن على ما دونه، كما تقول: فلان قيم على فلان أي: مهيمن عليه وقائم على أمره. فالقرآن ـ إذن ـ لاعوج فيه، وهو أيضاً مهيمن على الكتب السابقة وله الوصاية عليها كما قال تعالى:
{وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه .. "48" }
(سورة المائدة)
ومنه قوله تعالى:
{فأقم وجهك للدين القيم "43"}
(سورة الروم)
أي: المهيمن على الأديان السابقة. ثم يقول تعالى:
{لينذر بأساً شديداً من لدنه "2"}
(سورة الكهف)
وهذه هي العلة في الإنزال.
والإنذار: التخويف بشر قادم، والمنذر هنا هم الكفار؛ لأنه لا ينذر بالعذاب الشديد إلا الكفار، لكن سياق الآية لم يذكرها ليترك مجالاً للملكة العربية وللذهن أن يعمل، وأن يستقبل القرآن بفكر متفتح وعقل يستنبط، وليس بالضرورة أن يعطينا القرآن كل شيء هكذا على طرف الثمام أي قريباً سهل التناول.
ثم ضخم العذاب بأنه شديد، ليس ذلك وفقط بل (من لدنا)، والعذاب يتناسب مع المعذب وقوته، فإن كان العذاب من الله فلا طاقة لأحد به، ولا مهرب لأحد منه.
ثم يقول تعالى:
{ويبشر المؤمنين "2"}
(سورة الكهف)
والبشارة تكون بالخير المنتظر في المستقبل، وتلاحظ أنه في البشارة ذكر المبشر (المؤمنين) ولم يسكت عنهم كما سكت عن الكفار في الإنذار، فهذا من رحمة الله بنا حتى في الأسلوب، والبشارة هنا بالأجر الحسن؛ لأنه أجر من الكريم المتفضل سبحانه؛ لذلك قال الحق سبحانه بعدها: