(وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا شططاً "14")
والربط يعني أن تربط على الشيء وتشد عليه لتحفظ ما فيه، كما تربط القربة حتى لا يسيل الماء، وتربط الدابة حتى لا تنفلت، وقد وردت مادة (ربط) في القرآن كثيراً، منها قوله تعالى في قصة أم موسى:
{وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها .. "10"}
(سورة القصص)
أي: ربط على ما في قلبها من الإيمان بالله الذي أوحى إليها أن تلقي بولدها في الماء، ولولا أن ربط الله على قلبها وثبتها لانطلقت خلف ولدها تصرخ وتنتحب وتلفت إليه الأنظار:
{كادت لتبدي به لولا .. "10"}
(سورة القصص)
أي: تكشف عن الخطة التي أمرها الله بها لنجاة موسى عليه السلام، وهكذا اطمأن قلب أم موسى، وأصبح فؤادها فارغاً ـ أي: من الانفعالات الضارة، ومعلوم أن القلب هو محل الانفعالات، بدليل ما يحدث فيه من اضطراب وزيادة ضربات وتدفق للدم عند الغضب مثلاً.
ولا يسمى القلب فؤاداً إلا إذا توقد بالمشاعر وتحرك بها، وربط الله على قلب أم موسى أحدث لها ضبطاً للشعور يحكم تصرفاتها فتأتي سليمة متمشية مع الخطة المرادة.
ومن هنا نأمر الغاضب الذي تغلي الدماء في عروقه بالهدوء وضبط النفس؛ لأن الهدوء سيعينه على الحق، ويلجم جماح غضبه الذي لا تحمد عقباه، ألا ترى التوجيه النبوي في حال الغضب؟ إنه ينصح بتغيير الوضع الذي أنت عليه؛ لأن هذه العملية تحدث لديك نزوعية، تصرف عنك الغضب.
وفي آية أخرى يقول الحق سبحانه وتعالى:
{وأفئدتهم هواء "43"}
(سورة إبراهيم)
أي: فارغة خالية ليس فيها شيء؛ لأن الشيء إذا فرغته من محتواه امتلأ بالهواء. وهنا يقول الحق سبحانه في أهل الكهف:
{وربطنا على قلوبهم .. "14"}
(سورة الكهف)
لتظل بداخلها العقيدة والإيمان بالله لا تتزعزع ولا تخرجها الأحداث والشدائد، وهذا من زيادة الهدى الذي أخبرت به الآية السابقة. وقوله تعالى:
{إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض .. "14"}
(سورة الكهف)
قاموا: القيام هنا دليل على مواجهتهم للباطل ووقوفهم في وجهه، وأن الباطل أفزعهم فهبوا للتصدي له بقولهم:
{رب السماوات والأرض .. "14"}
(سورة الكهف)
ولابد أنهم سمعوا كلاماً يناقض قولهم، وتعرضوا في دعوتهم للحرب والاضطهاد، فالآية تعطي صورة لفريقين: فريق الكفر الذي ينكر وجود الله أو يشرك به، وفريق الإيمان الذي يعلنها مدوية:
{ربنا رب السماوات والأرض .. "14"}
(سورة الكهف)
وإن كان فريق الكفر يدعو إلى عبادة آلهة من دون الله فإن فريق الإيمان يقول:
{لن ندعو من دون إلهاً "14"}
(سورة الكهف)
فإن ادعينا إلهاً من دون الله
{لقد قلنا إذاً شططاً "14"}
(سورة الكهف)
أي: فقد تجاوزنا الحد، وبعدنا عن الصواب. ثم يقول الحق سبحانه: