(ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم "128")
هناك فرق بين أن تكلف بشيء فتفعله بحب، وأن تفعل شكلية التكليف وتخرج من عملك خروج الذي ألقى عن كاهله عبء التكليف .. في هذه الآية الكريمة دعاء إبراهيم وابنه إسماعيل وكانا يقولان يا رب أنت أمرتنا أن نرفع القواعد من البيت وقد فعلنا ما أمرتنا .. وليس معنى ذلك أننا اكتفينا بتكليفك لنا لأننا نريد أن نذوق حلاوة التكليف منك مرات ومرات .. "ربنا واجعلنا مسلمين لك" نسلم كل أمورنا إليك. إن الإنسان لا يمكن أن ينتهي من تكليف ليطلب تكليفا غيره إلا إذا كان قد عشق حلاوة التكليف ووجد فيه استمتاعا .. ولا يجد الإنسان استمتاعا في التكليف إلا إذا استحضر الجزاء عليه .. كلما عمل شيئا استحضر النعيم الذي ينتظره على هذا العمل فطلب المزيد.
إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بمجرد أن فرغا من رفع القواعد من البيت قالا: "ربنا واجعلنا مسلمين لك" ولم يكتفيا بذلك بل أرادا امتداد حلاوة التكليف إلي ذريتهما من بعدهما .. فيقولان: "ومن ذريتنا أمة مسلمة" .. ليتصل أمد منهج الله في الأرض ويستمر التكليف من ذرية إلي ذرية إلي يقوم القيامة .. ثم يقولان: "وأرنا مناسكنا" .. أي بين لنا يا رب ما تريده منا. بين لنا كيف نعبدك وكيف نتقرب إليك .. والمناسك هي الأمور التي يريد الله سبحانه وتعالى أن نعبده بها. وقوله:ر"وأرنا مناسكنا" ترينا أن إبراهيم يرغب في فتح أبواب التكليف على نفسه، لأنه لا يرى في كل تكليف إلا تطهيرا للنفس وخيرا للذرية ونعيما في الآخرة .. ولذلك يقول كما يروي لنا الحق: "وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم" .. وتب علينا ليس ضروريا أن نفهمها على أنها توبة من المعصية .. وأن إبراهيم وإسماعيل وقعا في المعصية فيريدان التوبة إلي الله .. وإنما لأنهما علما أن من سيأتي بعدهما سيقع في الذنب فطلبا التوبة لذريتهما .. ومن أين علما؟ عندما قال الله سبحانه وتعالى لإبراهيم: "ومن كفر فأمتعه قليلا ثم اضطره إلي عذاب النار وبئس المصير" ..
لقد طلبا من الله تبارك وتعالى التوبة والرحمة لذريتهما .. والله يحب التوبة من عباده وهو سبحانه أفرح بتوبة عبده المؤمن من أحدكم وقع على بعيره وقد أضله في فلاة .. لأن المعصية عندما تأخذ الإنسان من منهج الله لتعطيه نفعا عاجلا فإن حلاوة الإيمان ـ إن كان مؤمنا ـ ستجذبه مرة أخرى إلي الإيمان بعيدا عن المعاصي .. ولذلك قيل إن انتفعت بالتوبة وندمت على ما فعلت فإن الله لا يغفر لك ذنوبك فقط ولكن يبدل سيئاتك حسنات .. وقلنا أن تشريع التوبة كان وقاية للمجتمع كله من أذى وشر كبير .. لأنه لو كان الذنب الواحد يجعلك خالدا في النار ولا توبة بعده لتجبر العصاة وازدادوا شرا .. ولأصيب المجتمع كله بشرورهم وليئس الناس من آخرتهم لأن
<رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون">
لذلك فمن رحمة الله سبحانه أنه شرع لنا التوبة ليرحمنا من شراسة الأذى والمعصية.