(فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلي حين "36")
بعد أن أسكن الله سبحانه وتعالى آدم وزوجه في الجنة. وأخبرهما بما هو حلال وما هو حرام. بدأ الشيطان مهمته. مهمة عداوته الرهيبة لآدم وذريته. والحق سبحانه يقول: "فأزلهما الشيطان" أي أن الشيطان باشر مهمته فأوقعهما في الزلة وهي العثرة أو الكبوة. كيف حدث ذلك والله تعالى قد نصح آدم وزوجه ألا يتبعا الشيطان. وأبلغه أنه عدو لهما. في قوله تعالى:
{.. إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى "117" }
(سورة طه)
إذن فالعداوة معلنة ومسبقة. ولنفرض أنها غير معلنة. ألم يشهد آدم الموقف الذي عصى فيه إبليس أمر الله ولم يسجد لآدم؟ ألم يعرف مدى تكبر إبليس عليه. في قوله "أنا خير منه" وقوله "أأسجد لمن خلقت طينا" كل هذا كان ينبغي أن ينبه آدم إلي أن إبليس لن يأتي له بخير أبدا. والحق سبحانه وتعالى لم يكتف بالدلالات الطبيعية التي نشأت عن موقف إبليس في رفضه السجود. بل أخبر آدم أن الشيطان عدو له ولزوجه .. يقول الحق سبحانه وتعالى: "فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه" من ماذا أخرجهما؟ من العيش الرغيد. واسع النعمة في الجنة. ومن الهدوء والاطمئنان في أن رزقهما يأتيهما بلا تعب. ولذلك سيأتي الحق في آية أخرى ويقول: "فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى" وهنا لابد أن نتساءل: لماذا لم يقل فتشقيا؟
أن هذه لفتة من الحق سبحانه وتعالى .. إلي مهمة المرأة ومهمة الرجل في الحياة فمهمة المرأة أن تكون سكنا لزوجها عندما يعود إلي بيته. تذهب تعبه وشقاءه. أما مهمة الرجل فهي العمل حتى يوفر الطعام والمسكن لزوجته وأولاده. والعمل تعب وحركة. وهكذا لفتنا الحق تبارك وتعالى إلي أن مهمة الرجل أن يكدح ويشقى. ثم يأتي إلي أهله فتكون السكينة والراحة والاطمئنان. إذا كانت هذه هي الحقيقة. فلماذا يأتي العالم ليغير هذا النظام؟ نقول أن العالم هو الذي يتعب نفسه. ويتعب الدنيا. فعمل المرأة شقاء لها. فمهمتها هي البيت. وليس عندها وقت لأي شيء آخر. فإذا عملت فذلك على حساب أولادها وبيتها وزوجها .. ومن هنا ينشأ الشقاء في المجتمع. فيضيع الأولاد. ويهرب الزوج إلي مكان فيه امرأة تعطيه السكن الذي يحتاج إليه. وينتهي المجتمع إلي فوضى..
وكان يجب على آدم أن يتنبه إلي أن إبليس يعتبره السبب في طرده من رحمة الله. فلا يقبل منه نصيحة ولا كلاما ويحتاط .. كيف أزل الشيطان آدم وزوجه؟ لقد شرح الله سبحانه وتعالى لنا هذا ولكن ليس في سورة البقرة وإنما في آية أخرى .. فقال تعالى:
{فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين "20"}
(سورة الأعراف)
إذن فإبليس قال كاذبا أن من يأكل من هذه الشجرة يصبح ملكا. ويصبح خالدا لا يموت .. ووسوسة الشيطان تتم بكلام كاذب لتزيين المعصية، والشيطان لا يهمه أي معصية ارتكبت. وإنما يريدك عاصيا على أي وجه. ولكن النفس عندما توسوس لك بالمعصية، تريد شيئا بذاته. وهذا هو الفرق بين وسوسة الشيطان. ووسوسة النفس. فالشيطان يريدك عاصيا بأي ذنب. فإن امتنعت في ناحية أتاك من ناحية أخرى. فقد قال لآدم: هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى" ولكن هذه المحاولة لم تفلح. فقال لهما: "ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين" وفات على آدم أنه لو كان هذا صحيحا .. لأكل إبليس من الشجرة .. ولم يطلب من الحق سبحانه وتعالى أن يمهله إلي يوم الدين .. ما الذي اسقط آدم في المعصية؟ أنها الغفلة أو النسيان. والحق سبحانه وتعالى يقول:
{ولقد عهدنا إلي آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزماً "115" }
(سورة طه)
وهل النسيان معصية. حتى يقول الحق سبحانه وتعالى:
{وعصى آدم ربه فغوى}
(من الآية 121 سورة طه)
نعم النسيان كان معصية في الأمم السابقة. لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" ونسى وعصى. وتؤدي معنى واحدا .. وقوله تعالى:
{قال اهبطوا بعضكم لبعٍض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلي حين "24"}
(سورة الأعراف)
هذا الهبوط هو بداية نزول الإنسان إلي الأرض ليباشر مهمته في الدنيا. ومادام الحق سبحانه وتعالى قال: "ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلي حين". فهي إذن حياة موقوته على قدر وقتها، وعلى قدر حجمها .. والذين يقولون بأنه لابد من وجود بشر نسميه مخلصا. ليفدي العالم بصلبه أو بغير ذلك من الخطيئة التي ارتكبها آدم. نقول له: أنك لم تفهم عن الله شيئا، لأن القصة هي هنا خطأ قد حدث وصوب. وفرق بين الخطأ والخطيئة. فالخطأ يصوب. ولكن الخطيئة يعاقب عليها. وآدم أخطأ وصوب الله له. وتلقى من ربه كلمات فتاب عليه. إذن لا توجد خطيئة بعد أن علمه الله التوبة وتاب إلي الله. ثم ماذا فعل آدم. حتى نقول تخلص العالم من خطيئة آدم. أنه أكل من الشجرة. وهل خطايا العالم كلها أكل؟!
من الذين أوجد القتل وسفك الدماء، والزنا والاغتصاب والنميمة والغيبة؟ لو أن كلامهم صحيح لكان لابد ألا توجد خطيئة على الأرض مادام قد وجد المخلص الذي فدى العالم من الخطيئة. ولكن الخطيئة باقية. ومن الذي قال أن الخطيئة تورث. حتى يرث العالم كله خطيئة آدم؟!. والله سبحانه وتعالى يقول: "ولا تزر وازرة وزر أخرى".. وقول الحق سبحانه وتعالى "وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو" العداوة هنا بين الشيطان والإنسان. والعداوة أيضا بين شياطين الإنس والمؤمنين، هذه العداوة التي تؤدي بنا إلي نشاط وتنبه. فالمستشرقون يعادون الإسلام. ولكن معاداتهم هذه تعطينا نشاطا لكي نبحث ونطلع حتى نرد عليها. وجنود الشيطان من الإنس يعادون المؤمنين. وعداواتهم هذه تعطينا مناعة ألا نخطئ ولا نغفل. فأنت مادام لك عدو .. فحاول أن تتفوق عليه بكل السبل.
ولعل الحضارة الإنسانية لا ترتقي بسرعة قدر ارتقائها وقت الحروب. ففيها يحاول كل خصم أن يتغلب على خصمه. وتجند كل القوى للتفوق علميا على الدول الأخرى. هذه الارتقاءات والاختراعات. قد تكون للتدمير والقتل. ولكن بعد أن تنتهي الحرب توجه إلي ارتقاءات الإنسان في الأرض. فتفتيت الذرة وصلوا إليه في الحروب. والصواريخ التي وصل الإنسان بها إلي القمر كانت نتيجة حرب، والارتقاءات العلمية المختلفة التي تمت في أمريكا والاتحاد السوفيتي كان أساسها عداء كل معسكر للآخر.
وقوله تعالى "اهبطوا بعضكم لبعض عدو" .. الهبوط قد يكون من مكان أعلى إلي مكان أسفل. وقد يكون لهبوط معنويا. بأن تقول هذا الإنسان هبط في نظري منذ فعل كذا. هو لم يهبط من مكان أعلى إلي مكان أسفل. ولكنه هبط في قيمته. والمسافات لا تعني قربا أو بعدا. فقد يكون إنسان يجلس إلي جوارك وأنت بعيد عنه لا تحس به. وقد يكون هناك إنسان بعيد عنك بمئات الأميال ولكنه قريب إلي قلبك أكثر من ذلك الجالس إلي جوارك. وسواء كان الهبوط ماديا أو معنويا. فإنه حدث ليباشر آدم مهمته على الأرض .. والعداوة بين الإيمان والكفر مستمرة.
وهكذا بعد معصية آدم. وهبط هو وحواء من الجنة ليمارسا حياتهما على الأرض .. وقوله تعالى "اهبطوا" معناه أن آدم وحواء وإبليس هبطوا إلي الأرض بعد أن تمت التجربة الإيمانية. لقد بين الله تعالى لآدم عمليا أن إبليس عدو له. لا يريد له الخير. وأنه كاذب في كل ما يعد به الإنسان. وقد حدد الله الحياة الدنيا بأنها حياة موقوتة. قدراتها محدودة. ومتاعها محدود .. في قوله تعالى: "ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلي حين". أي لا أحد سيبقى في الأرض إلا بمقدار ما قدر الله له من عمر ثم يموت. وبهذا حذر الله آدم وذريته من أن يتخذوا من الحياة هدفاً لأن متاعها قليل، وأمدها قصير.