(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً "30")
وهنا نلاحظ أن الحق سبحانه عطف على الإيمان العمل الصالح؛ لأن الإيمان هو العقيدة التي ينبع عن أصلها السلوك، فلا جدوى من الإيمان بلا عمل بمقتضى هذا الإيمان، وفائدة الإيمان أن توثق الأمر أو النهي إلى الله الذي آمنت به؛ لذلك جاء الجمع بين الإيمان والعمل الصالح في مواضع عدة من كتاب الله، منها قوله تعالى:
{والعصر "1" إن الإنسان لفي خسر "2" إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر "3"}
(سورة العصر)
ذلك لأن المؤمنين إذا ما أثمر فيهم الإيمان العمل الصالح فإنهم سيتعرضون ولابد لكثير من المتاعب والمشاق التي تحتاج إلى التواصي بالصبر والتواصي بالحق، ولنا أسوة في هذه المسألة بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين تحملوا عبء الدعوة وصبروا على الأذى في سبيل إيمانهم بالله تعالى.
ثم يقول تعالى:
{إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً "30"}
(سورة الكهف)
نلاحظ أن (من) هنا عامة للمؤمن والكافر؛ لذلك لم يقل سبحانه: إنا لا نضيع أجر من احسن الإيمان؛ لأن العامل الذي يحسن العمل قد يكون كافراً، ومع ذلك لا يبخسه الله تعالى حقه، بل يعطيه حظه من الجزاء في الدنيا.
فالكافر إن اجتهد واحسن في علم أو زراعة أو تجارة لا يحرم ثمرة عمله واجتهاده، لكنها تعجل له في الدنيا وتنتهي المسألة حيث لا حظ له في الآخرة. ويقول تبارك وتعالى:
{وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً "23"}
(سورة الفرقان)
ويقول تعالى:
{من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحوراً "18"}
(سورة الإسراء)
ويقول تعالى:
{والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب "39"}
(سورة النور)
فهؤلاء قد استوفوا أجورهم، وأخذوا حظهم في الدنيا ألواناً من النعيم والمدح والثناء، وخلدت ذكراهم، وأقيمت لهم التماثيل والاحتفالات؛ لذلك يأتي في الآخرة فلا يجد إلا الحسرة والندامة حيث فوجئ بوجود إله لم يكن يؤمن به، والإنسان إنما يطلب أجره ممن عمل من أجله، وهؤلاء ما عملوا لله بل للإنسانية وللمجتمع وللشهرة وقد نالوا هذا كله في الدنيا، ولم يبق لهم شيء في الآخرة.
ثم يقول الحق سبحانه: