(نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدىً "13")
(نحن) أي: الحق سبحانه وتعالى، فهو الذي يقص ما حدث بالحق، فلو أن القاص غير الله لتوقع منه الخطأ أو النسيان، أو ترك شيء من الأحداث لهوىً في نفسه، إنما إن جاءك القصص من الله فهو الحق، كما قال في آية أخرى:
{نحن نقص عليك أحسن القصص .. "3"}
(سورة يوسف)
إذن: هناك قصص ليس بالحسن، وهو القصص غير الدقيق.
فالقصص القرآني يضمن لك منتهى الدقة في عرض الأحداث، ويصور لك كل اللقطات، وكلمة قصة أو قصص تدل على دقة التتبع؛ لأنها من قص الأثر أي: تتبعه وكان لهذه المهمة رجال معروفون بقصاص الأثر، وهم الذين يتتبعون الواقع.
و(نبأهم) النبأ: هو الخبر العظيم. ثم يقول تبارك وتعالى:
{إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدىً .. "13"}
(سورة الكهف)
هذا هو تفصيل القصة بعد أن لخصها القرآن في المذكرة والبرقية السابقة، وكأن الحق سبحانه يقول لرسوله: لقد ذكر ناس هذه القصة من قبل، لكنها قصت بغير حق، وغير فيها، لكن قصنا لها هو القصص الحق الذي لا كذب فيه.
فحقيقة هؤلاء أنهم فتية آمنوا بالله، وهذه قضيتهم التي ضحوا من أجلها، فلما آمنوا بالله تولاهم ونور بصائرهم وربط على قلوبهم، وزادهم إيماناً، كما قال في آية أخرى:
{والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم "17"}
(سورة محمد)
وما أشبه هذه المسألة بالمعلم الذي يلمح أمارات النجابة والذكاء على أحد تلاميذه، ويراه مجيباً حريصاً على العلم فيوليه اهتمامه ويمنحه المزيد من المعلومات.
ونلاحظ هنا أن هؤلاء المؤمنين الذين ضحوا بكل شيء وفروا بدينهم مازالوا في مرحلة الشباب، وهو مظنة الانشغال بالدنيا والحرص على متعها، أما هؤلاء فقد انشغلوا بدينهم منذ صغرهم ليكونوا قدوة ومثلاً للشباب المؤمن في كل زمان ومكان، فالفتاء في أهل الكهف: فتاء إيمان و فتاء عقيدة.
والحق سبحانه يقول: