وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون" 116")
بعد أن بين الله سبحانه وتعالى أن له كل شيء في الكون لا يشغله شيء عن شيء .. أراد أن يرد على الذين حاولوا أن يجعلوا لله معينا في ملكه .. الذين قالوا اتخذ الله ولداً .. الله تبارك وتعالى رد عليهم أنه لماذا يتخذ ولدا وله ما في السماوات والأرض كل له قانتون .. وجاء الرد مركزا في ثلاث نقاط .. قوله تعالى: "سبحانه" أي تنزه وتعالى أن يكون له ولد .. وقوله تعالى: "له ما في السماوات والأرض" .. فإذا كان هذا ملكه وإذا كان الكون كله من خلقه وخاضعا له فما حاجته للولد؟
وقوله سبحانه: "كل له قانتون" .. أي كل من في السماوات والأرض عابدون لله جل جلاله مقرون بألوهيته. قضية إن لله سبحانه وتعالى ولداً جاءت في القرآن الكريم تسع عشرة مرة ومعها الرد عليها .. ولأنها قضية في قمة العقيدة فقد تكررت وتكرر الرد عليها مرة بعد أخرى .. وإذا نظرت للذين قالوا ذلك تجد أن هناك أقوالا متعددة .. هناك قول قاله المشركون .. واقرأ القرآن الكريم:
{ألا إنهم من إفكهم ليقولون "151" ولد الله وإنهم لكاذبون "152" أصطفى البنات على البنين "153"}
(سورة الصافات)
وقول اليهود كما يروي لنا القرآن:
{وقالت اليود عزيز ابن الله }
(من الآية 30 سورة التوبة)
وقول النصارى:
{وقالت النصارى المسيح ابن الله }
(من الآية 30 سورة التوبة)
ثم في قصة خلق عيسى عليه السلام من مريم بدون رجل .. الله سبحانه وتعالى يقول:
{وقالوا اتخذ الرحمن ولدا "88" لقد جئتم شيئا إدا "89" تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا "90" أن دعوا للرحمن ولدا "91" وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا "92" إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا "93"}
(سورة مريم)
والله سبحانه وتعالى يريدنا أن نعرف أن هذا إدعاء خطير مستقبح مستنكر وممقوت .. لقد عالجت سورة مريم المسألة علاجا واسعا .. علاجا اشترك فيه انفعال كل أجناس الكون غير الإنسان .. انفعال السماوات والأرض والجبال وغيرها من خلق الله التي تلعن كل من قال ذلك .. بل وتكاد شعورا منها بفداحة الجريمة أن تنفطر السماء أي تسقط قطعا صغيرة .. وتنشق الأرض أي تتمزق .. وتخر الجبال أي تسقط كتراب .. كل هذا من هول ما قيل ومن كذب ما قيل .. لأن هذا الإدعاء افتراء على الله. ولقد جاءت كل هذه الآيات في سورة مريم التي أعطتنا معجزة خلق عيسى .. كما وردت القضية في عدة سور أخرى.
والسؤال هنا ما هي الشبهة التي جعلتهم يقولون ولد الله؟ ما الذي جعلهم يلجأون إلي هذا الافتراء؟ القرآن يقول عن عيسى بن مريم .. كلمة الله ألقاها إلي مريم .. نقول لهم كلنا كلمة "كن". لماذا فتنتم في عيسى ابن مريم هذه الفتنة؟ والله سبحانه وتعالى يشرح المسألة فيقول:
{إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون "59"}
(سورة آل عمران)
قوله كمثل آدم لمجرد مجاراة الخصم .. ولكن المعجزة في آدم أقوى منها في عيسى عليه السلام .. أنتم فتنتم في عيسى لأن عنصر الأبوة ممتنع .. وآدم امتنع فيه عنصر الأبوة والأمومة .. إذن فالمعجزة أقوى .. وكان الأولى أن تفتنوا بآدم بدل أن تفتنوا بعيسى .. ومن العجيب أنكم لم تذكروا الفتنة في آدم وذكرتم الفتنة فيما فيه عنصر غائب من عنصرين غائبين في آدم .. وكان من الواجب أن تنسبوا هذه القضية إلي آدم ولكنكم لم تفعلوا. ورسول الله صلى الله عليه وسلم .. قال له الله إن القضية ليست قضية إنكار ولكنها قضية كاذبة .. واقرأ قوله تبارك وتعالى:
{قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين "81" }
(سورة الزخرف)