(وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون "84")
قلنا ساعة تسمع "إذا" فأعلم أن معناها أذكر .. وقلنا إن الميثاق هو العهد الموثق .. وقوله تعالى: "لا تسفكون دماءكم" .. والله تبارك وتعالى ذكر قبل ذلك في الميثاق عبادة الله وحده .. وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين .. وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة إلي آخر ما جاء في الآية الكريمة .. وكلها أوامر أي وكلها افعل .. استكمالا للميثاق .. يقول الله في هذه الآية الكريمة ما لا تفعل .. فالعبادة كما قلنا هي إطاعة الأمر والامتناع عن النواهي .. أو ما نهى عنه الميثاق:
"لا تسفكون دماءكم" ومعناها لا يسفك كل واحد منكم دم أخيه .. لا يسفك بعضكم دم بعض. ولكن لماذا قال الله: "دماءكم"؟ لأنه بعد ذلك يقول: "ولا تخرجون أنفسكم من دياركم" .. الحكم الإيماني يخاطب الجماعة الإيمانية على أنها وحدة واحدة ..
<لذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى">
فكأن المجتمع الإيماني وحدة واحدة .. والله سبحانه وتعالى يقول:
{فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبةً}
(من الآية 61 سورة النور)
ولكن إذا كنت أنا الداخل فكيف أسلم على نفسي؟ كأن الله يخاطب المؤمنين على أساس أنهم وحده واحدة .. وعلى هذا الأساس يقول سبحانه: "لا تسفكون دماءكم" .. أي لا تقتلوا أنفسكم .. السفك معناه حب الدم .. "ودماءكم" هو السائل الموجود في الجسم اللازم للحياة .. وقوله تعالى: "ولا تخرجوا أنفسكم من دياركم" يعني لا يخرج بعضكم بعضا من ديارهم .. ثم ربط المؤمنين من بني إسرائيل بقوله تعالى: "ثم أقررتم وأنتم تشهدون" .. أقررتم أي اعترفتم: "وأنتم تشهدون" الشهادة هي الإخبار بمشاهد .. والقاضي يسأل الشهود لأنهم رأوا الحادث فيروون ما شاهدوا .. وأنت حين تروي ما شاهدت .. فكأن الذين سمعوا أصبح ما وقع مشهودا وواقعا لديهم وشاهد الزور يغير المواقع.
الحق سبحانه وتعالى يخاطب اليهود المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم .. ويذكرهم بما كان من آبائهم الأولين .. وموقفهم من أخذ الميثاق حين رفع فوقهم جبل الطور وهي مسألة معروفة .. والقرآن يريد أن يقول لهم إنكم غيرتم وبدلتم فيما تعرفون .. فالذي جاء على هواكم طبقتموه .. والذي لم يأت على هواكم لم تطبقوه