(قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون "68")
وكان سؤالهم يبين نقص درجة الإيمان عندهم .. لم يقولوا ادع لنا ربنا .. بل قالوا ادع لنا ربك، وكأنه رب موسى وحده .. ولقد تكررت هذه الطريقة في كلام بني إسرائيل عدة مرات .. حتى إنهم قالوا كما يروي لنا القرآن الكريم:
{فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون }
(من الآية 24 سورة المائدة)
ولقد استمر الحوار بينهم وبين موسى فترة طويلة .. يوجهون السؤال لموسى فيدعو الله فيأتيه الجواب من الله تبارك وتعالى .. فبدلا من أن ينفذوا الأمر وتنتهي المسألة يوجهون سؤالا آخر .. فيدعو موسى ربه فيأتيه الجواب، ويؤدي الجواب إلي سؤال في غير محله منهم .. ثم يقطع الحق سبحانه وتعالى عليهم أسباب الجدل .. بأن يعطيهم أوصافا لبقرة لا تنطبق إلا على بقرة واحدة فقط .. فكأنهم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم ..
نأتي إلي أسئلة بني إسرائيل .. يقول الحق سبحانه وتعالى: "قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي" .. سؤال لا معنى له ولا محل .. لأن الله تبارك وتعالى قال لهم إنها بقرة .. ولم يقل مثلا إنها حيوان على إطلاقه فلم يكن هناك محل للسؤال .. فجاء الحق تبارك وتعالى يقول لهم: "إنها بقرة لا فارض ولا بكر" .. الفارض في اللغة هو الواسع والمراد به بقرة غير مسنة .. ولكن ما العلاقة بين سن البقرة وبين الواسع؟ البقرة تتعرض للحمل كثيرا وأساسا هي للبن وللإنجاب .. ومادامت قد تعرضت للحمل كثيرا يكون مكان اللبن فيها في اتساع .. أي أن بطنها يزداد اتساعا مع كل حمل جديد .. وعندما يكون بطن البقرة واسعاً يعرف أنها مسنة وولدت كثيرا وصارت فارضا.
وكلمة "بكر" لها معانٍ متعددة منها أنه لم يطأها فحل .. ومنها أنها بكر ولدت مرة واحدة .. ومنها أنها ولدت مرارا ولكن لم يظهر ذلك عليها لأنها صغيرة السن. وقوله تعالى: "عوان بين ذلك" .. يعني وسط بين هذه الأوصاف كلها .. الحق بعد ذلك يقرعهم فيقول: "فافعلوا ما تؤمرون" .. يعني كفاكم مجادلة ونفذوا أمر الله واذبحوا البقرة .. ولكنهم لم يسكنوا أنهم يريدون أن يحاوروا..