(ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون "52")
الله سبحانه وتعلى يمن على بني إسرائيل مرة أخرى .. مع أنهم ارتكبوا ذنبا من ذنوب القمة .. ومع ذلك عفا الله عنهم لأنه يريد أن يستبقى عنصر الخير للناس .. يريد أن يعلم خلقه أنه رب رحيم. يفتح أبواب التوبة للواحد بعد الآخر .. لتمحو خلايا الشر في النفس البشرية .. إن الإنسان حين يذنب ذنبا ينفلت من قضية الإيمان .. ولو لم تشرع التوبة والعفو من الله لزاد الناس في معاصيهم وغرقوا فيها .. لأنه إذا لم تكن هناك توبة وكان الذنب الواحد يؤدي إلي النار .. والعقاب سينال الإنسان فإنه يتمادى في المعصية. وهذا ما لا يريده الله سبحانه وتعالى لعباده .. وفي الحديث الشريف:
لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاةٍ"
معنى الحديث .. رجل معه بعير يحمل ماله وطعامه وشرابه وكل ما يملكه. هذا البعير تاه في صحراء جرداء .. بحث عنه صاحبه فلم يجده .. لقد فقده وفقد معه كل مقومات حياته .. ثم ينظر فيراه أمامه .. كيف تكون فرحته؟ .. طبعا بلا حدود. هكذا تكون فرحة الله تعالى بتوبة عبده المؤمن بل أشد من ذلك. أن الله تبارك وتعالى حين يفتح باب التوبة. يريد لحركة العالم أن تسير .. هب أن نفسا غفلت مرة ..أو قادتها شهوتها مرة إلي معصية. أو وسوس الشيطان لها كما حدث مع آدم وحواء. لو لم تكن هناك توبة ومغفرة .. لانقلب كل هؤلاء إلي شياطين .. بل إن أعمال الخير تأتي من الذين أسرفوا على أنفسهم .. فهؤلاء يحسنون كثيرا ويفعلون الخير كثيرا .. مصداقاً لقوله تعالى:
{إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين }
(من الآية 114 سورة هود)
وقوله جل جلاله:
{خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها }
(من الآية 103 سورة التوبة)
إذن فكون الله سبحانه وتعالى يتوب على بني إسرائيل مع أنهم كفروا بالقمة في عبادة العجل .. فذلك لأن الله يريد استبقاء الخير في كونه .. ولقد عبد بنو إسرائيل العجل قبل أن ينزل عليهم المنهج وهو التوراة .. ولكن هل بعد أن أنزل عليهم المنهج والتوراة تابوا وأصلحوا أو استمروا في معصيتهم وعنادهم؟