(ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون "12")
وهكذا يعطينا الله سبحانه وتعالى حكمه عليهم بأنهم كما أنهم يخدعون أنفسهم ولا يشعرون ويحسبون أنهم يخدعون الله سبحانه وتعالى والمؤمنين. كذلك فإنهم يفسدون في الأرض ويدعون أنهم مصلحون، ولكنهم في الحقيقة مفسدون لماذا؟ .. لأن في قلوبهم كفراً وعداء لمنهج الله، فلو قاموا بأي عمل يكون ظاهره الإصلاح، فحقيقته هي الإفساد، تماماً كما ينطقون بألسنتهم بما ليس في قلوبهم.
والكون لا يصلح إلا بمنهج الله، فالله سبحانه وتعالى هو الذي خلق، وهو الذي أوجد، وهو أدرى بصنعته وبما يفسدها وبما يصلحها، لأنه هو الصانع، ولا يوجد من يعلم سر ما يصلح صنعته أكثر من صانعها.
ونحن في المنهج الدنيوي إذا أردنا إصلاح شيء اتجهنا لصانعه، فهو الذي يستطيع أن يدلنا على الإصلاح الحقيقي لهذا الشيء، فإذا لم يكن صانعه موجوداً في نفس البلدة .. اتجهنا إلي من دربهم الصانع على الإصلاح، أو إلي ما يسمونه "الكتالوج" الذي يبين لنا طريق الإصلاح، وبدون هذا لا نصلح، بل نفسد، والعجيب أننا نتبع هذه الطريقة في حياتنا الدنيوية، ثم نأتي إلي الإنسان والكون، فبدلا من أن نتجه إلي صانعه وخالقه لنأخذ عنه منهج الإصلاح، وهو أدرى بصنعته، نتيجة إلي خلق الله يضعون لنا المناهج التي تفسد، وظاهرها الإصلاح لكنها تزيد الأمور سوءا والغريب أننا نسمي هذا فلاحا، ونسميه تقدما. ولكن لماذا لا نتجه إلي الصانع أو الخالق، الذي أوجد وخلق؟ هو سبحانه وتعالى أدرى بخلقه وبما يصلحهم وما يفسدهم.
ومادام الحق سبحانه وتعالى، قد حكم على المنافقين، بأنهم هم المفسدون فذلك حكم يقيني، وكل من يحاول أن يغير من منهج الله، أو يعطل تطبيقه بحجة الإصلاح، فهو مفسد وإن كان لا يشعر بذلك، لأنه لو أراد إصلاحا لاتجه إلي ما يصلح الكون، وهو المنهج السماوي الذي أنزله خالق هذا الكون وصانعه، وهذا المنهج موجود ومبلغ ولا يخفي على أحد.