حوار
" القرآن.. منهجٌ وحياة.."
1ـ السلام عليكم ورحمة الله، كيف حالك يا محمد؟
2ـ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أنا بخيرٍ يا يزيد.
1ـ فأنا منذ زمنٍ بعيد لم أرك يا محمد..
2ـ وأنا كذلك يا يزيد..
1ـ محمد، أتذْكر يوم أن كنا معاً في حلَقة مسجدنا، عندما كان يدرسنا الشيخ عبد الرزاق.
2ـ آه.. نعم.. أتذكّرُ جيداً، كانت أياماً جميلة. (يطأطئ رأسه)
1ـ ما أخبار حلَقتِنا، وما أخبار أستاذِنا، وهل أتممت حِفظَك للقرآنِ يا محمد؟ أخبرني... فأنا متلهف لسماع أخبارهم؟
2ـ آهٍ يا يزيد.. آهٍ يا يزيد (يطأطئ رأسه أكثر)
1ـ ما بك يا محمد؟ (يمد كلتا يديه)
2ـ لم أعُدْ أعرفُ عنهم شيئاً، فقد استبدلتهم برفقةٍ أخرى.
1ـ هل انتقلت إلى حلقةٍ أخرى.
2ـ لا.. لا.. (يحرك سبابته بهدوء).. لكنني استبدلُتُهم بصحبة.. يتفننون في إضاعة أوقاتهم بين ملذات الدنيا.. حتى مرت الأيام، ولم أتمكن من...
1ـ من ماذا؟
2ـ من حفظ كتاب الله.. (يكفكف يديه)
1ـ إنا لله وإنا إليه راجعون.. وماذا كنتم تعملون طوال تلك المدة؟
2ـ كنا إذا اجتمعنا بحثنا عن أيِّ شيءٍٍ يُضيّع أوقاتنا، ولا نبالي.. أكان ذلك في حلال أم حرام.. (يسكت) لقد ضاعت أوقاتًًنا يا يزيد، لقد ضاعت أوقاتنا يا يزيد.. (بحسرة)..
كان همنّا لعب الكرة، ومتابعةِ المباريات وإضاعةِ الأوقات، والتجولُ في الأسواقِ والطرقاتِ، وكثيراً ما يُؤذّن المؤذّن.. ونحن في لهونا غرقى!!!
1ـ ألم تخبرنْي أن طموحَكَ حِفْظُ كتابِ الله وتعليم الناسِ القرآن؟! فماذا جرى؟
2ـ لست أدري.. فو الله لم يزل حِفظُ كتابِ ربي أغلى أمنياتي وأهمَّ مطالبي وأهدافي.. ولكنْ...
1ـ ولكن ماذا يا أخي؟
2ـ لقد فات الأوان.. فالركب سار ورحل بعيداً، ولا أستطيعُ اللحاق بهم.
1ـ لا تعجلْ.. أُخي.. ولا يخدعُك الشيطان، فالمؤمنُ لا يلدغ من جُحْرٍ مرتين.
2ـ وكيف ذاك؟
1ـ ما زال في الوقت متسع.. وكثيرٌ هم الذين حفظوا القرآن في زمن الكبر، وأنت (وقفة بسيطة).. أنت مازلت شاباً.
2. بوركت أخي.. فقد شَحَذْتَ همتي لحفظ كتاب ربي، ولكن ما السبيل لحفظ القرآن؟
1ـ الطريق ميسر.. والأسبابُ المعينةُ كثيرة.. ولعل أهمها:
الإخلاص لله جل وعلا، فعملٌ بلا إخلاص.. كحرثٍ في الماء أو بذرٍ في الهواء، ولابد من الصبر "ومايلقاها إلا الذين صبروا".. ومن تعجل شيئاً قبل أوانه عُوقب بحرمانه.. وإياك والمعاصي.. إياك إياك..
2. المعاصي؟؟..
1. نعم المعاصي..
2ـ وما عَلاقة المعاصي بحفظ القرآن؟
1ـ لقد وضعتَ يدك على الجرح يا محمد، فالمعاصي من أقوى العوائق عن حفظ كتاب الله، فالقلب الذي أُشرب حب المعاصي لا يمكن أن يَعيَ القرآن.. وكلما أذنب العبد ذنباً تأثر قلَبُه، وضعفت قدرته على حفظ هذا الكتاب المطهر.. أما سمعت الإمام الشافعي رحمه الله يقول:
شكوتُ إلى وكيعٍ سوء حفظي فأرشدني إلى تـرك المعـاصي
وأخبـرني بأن العلمَ نــــــــــــــــــــــورٌ ونــورُ الله لا يؤتى لعـاصــــــي
2. ألهذا الحد.. تُعيق المعصيةُ عن حفظ كتاب الله..
1. بل اسمعْ يا أخي إلى التابعي الجليل الضحاكِ بن مُزاحم رحمه الله عندما قال: "ما من أحد تعلم القرآن ثم نسيه إلا بذنب أحدثه، لأن الله يقول: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم"، ونسيان القرآن من أعظم المصائب!!"..
2. الآن..أعقد العزم على ترك المعاصي.. وأسأل الله أن يبلغني مناي بحفظ كتابه..
1. أحسنت.. يا محمد.. فالعزيمةُ من أهم الأسباب المعينة على حفظ القرآن.. فهي تحطم أسوارَ اليأس وبها يبلغ الإنسان ما يريد.. ولو جعلنا القرآن منهجاً لحياتنا لصلُحت أحوالنا واعتدلت أمورنا.
2ـ وكيف يكون القرآن منهج حياة يا يزيد؟
1ـ بالرجوع إلى كتاب الله.. والوقوف عند أحكامه.. وقراءته وتدبّرِه قال تعالى: ((كتابٌ أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته))، وقال عليه الصلاة والسلام: (اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه).. إن القرآن.. هو حبل الله المتين.. وصراطه المستقيم.. من تركه من جبار قصمه الله.. ومن ابتغى الهُدَى في غيره أضله الله، فيه نبأ ما قبلنا.. وحكم ما بيننا.. وخبر ما بعدنا..
2ـ وهل بعد هذا نزهد في كتاب الله!! لابد أن نذّكر الناس بفضل القرآن حتى يستيقظوا من الغفلة، ويعودوا إلى كتاب ربهم..
1ـ نعم.. هذا صحيح.. فكلٌ بحسب استطاعته فالأبُ مع أبنائه والمعلم مع تلاميذِه والموظفُ مع زملائه..
2ـ وأنا أول من يبدأ بهذا الأمر.
1ـ وأنتم أيها الحضور الكرام.... لابد أن نتعاون من أجل أمتنا، فأمة لا تهتم بكتابها لا تستحق التقدير والاحترام.
2. أجل.. أمة لا تهتم بكتاب ربها.. أمةٌ.. لا تستحق التقدير والاحترام..
1. وختاماً.. نشكرُكم أيها الحضور تشريفَكم حفلَنا.. فقد زادنا حُضُورُكم حماساً.. وجدَّد النَّشاطَ في نُفُوسِنا.. وشحذ فينا الهِمَمَ والعزائمَ.. فبارك الله في مسعاكُم وجعل الجنَّة مثْوانا ومثْواكم اللهمَّ آمين..
2. آمينَ آمينَ لا أرضى بواحدةٍ *** حتَّى أُبلِّغَهَا مِليونَ آمينا
موقع صيد الفوائد