ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بـســم الله الـــرحـمــن الرحيـــــم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذكــــر الله في كتابه عدة آيات فيها وصف القلوب بالمرض وبالعمى
وبالقسوة ، وبجعــــل الموانع عليها من الران ، والأكنة والحجاب ،
وبموتها وبحيرتها ، فاعلم أن القلب يكون صحيحا ويكون مريضا ،
ويجتمع فيه المرض والموانع من وصول الصحة ، وقد يكون لينا
وقد يكون قاسيا .
فأما القلب الصحيح فهو السليم من جميع هذه الآفات ، وهو القلب
الذي صحت وقويت قوته العلمية، وقوته العملية الإرادية، وهو الذي
عرف الحق فاتبعه بلا تردد ، وعرف الباطل فاجتنبه بلا توقف، فهذا
هـو القلب الصحيح الحي السليم ، وصاحبه من أولي النُّهى وأولي
الحجا وأولي الألباب وأولي الأبصار، والْمُخْبت لله والمنيب إليه .
وأما القلب المريض فهو الذي انحرفت إحدى قوتيه العلمية أو
العملية أو كليهما .
فمرض الشبهات والشكوك الذي هو مرض المنافقين لما اختل علمهم
وبقيت قلوبهم في شكوك واضطراب ، ولم تتوجه إلى الخير ، كـــان
مرضها مهلكا .
ومرض الشهوات الذي هو ميل القلب إلى المعاصي مخل بقوة القلب
العملية ، فإن القلب الصحيح لا يريد ولا يميل إلا إلى الخير ، أو إلى
ما أباحه الله له، فمتى رأيت القلب ميالا إلى المعاصي سريع الانقياد
لها، فهو مريض ، وهو سريع الافتتان عند وجود أسباب الفتنة،
كما قال تعالى { فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } الأحزاب : 32.
وأمـــا القلب القاسي فهو الذي لا يلين لمعرفة الحق ، وإن عــــرفــه
لا يلين للانقياد لــه ، فتأتيه المواعظ التي تلين الحديد وقلبه لا يتأثر
بـذلك ، إمـــا لقسوته الأصلية أو لعقائد منحرفة اعتقدها ورسخ قلبه
عليها ، وصعب عليه الانقياد للحق إذا خالفها، وقد يجتمع الأمران ،
وأمــا الران والأكنة والأغطية التي تكون على القلوب فإنها من آثار
كسب العبد وجرائمه، فإذا أعرض عن الحق وعارض الحق، وجاءه
الحق فردَّه وفتح الله لــــه أبواب الرشد فأغلقها عن نفسه عاقبه الله
بهذا العمـــل بأن سدَّ عنـــه طرق الهداية التــي كــانت مفتوحة لـــه
ومتيسرة ،فتكبر عنها وردَّها ، فطبع على قلبه وختم عليه وأحاطت
به الجرائم ورانت عليه الذنوب وغطت قلبه وجعلت بينه وبين الحق
حجابا وأقفلت القلب ، فهذه المعاني التي أكثر الله مــن ذكرهــا فــي
كتابه، إذا عرفت هذه الضوابط المذكورة في هذه الفائدة اتضحت لك
معانيها ، وعرفت بذلك حكمة الله وعدله في عقوبة هذه القلوب ،
وأن الله ولاهم ما تولوه لأنفسهم ورضوه لها .
الكتاب : تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن
( ص 351 ) للشيخ عبد الرحمن السعدي