الجميع يريد الأفضل، والبعض فقط يسعى من أجل الوصول إلى مبتغاه. وفى الطريق نحو الهدف نواجه صعوبات كثيرة منها التعامل مع أماكن وشخصيات وطبيعة عمل مختلفة تتطلب منا رغبة حقيقية وجهدا مقصودا للتكيف معها، بالتأكيد تحتاج إلى وقت، ولكنها ممكنة وليست مستحيلة، بمرور بعض الوقت ودوران العجلة واكتساب بعض المهارات الضرورية تستطيع تحقيق التوازن والتأقلم بل والتميز فى مكانك الجديد، والاندماج مع المجموعة بالطريقة التى تحقق الفائدة والتعاون للجميع.
هنا يقدم لك الدكتور أمجد خيرى كامل، استشارى نفسى بعض النصائح والمعلومات الطبية والنفسية المهمة فى هذا السياق.
الحب والعمل أساس الصحة النفسية
يقول الدكتور أمجد خيرى استشارى نفسى: (قدم سيجموند فرويد تعريفاً مبسطا جدا للصحة النفسية وهو: الحب والعمل.. وهما الدعاماتان الأساسيتان التى ترتكز عليها الصحة النفسية؛ وعندما تختفى إحدى الدعامتين تقل الصلابة النفسية لدى الانسان؛ لذا نجد أن الإنسان الذى لا يعمل ولا يحب يكون هشاً جدا من الناحية النفسية. وكثيرا ماتتغير الظروف والبيئة المحيطة بالإنسان، كأن يضطر للانتقال من بلد لبلد، أو من عمل لعمل، أو داخل العمل نفسه من قسم إلى آخر، أو بالارتباط والزواج، وهذه التغيرات قد تؤثر إيجابيا فى الانسان إذا كانت تكمل احتياجاته التى يبحث عنها، أو تؤثر سلبيا فى أحيان أخرى فى بعض الأشخاص؛ لعدم قدرتهم على التأقلم والتكيف مع الواقع الجديد).
الذكاءات المتعددة والتعامل مع البشر
ويوضح "خيرى" بأنه طبقاً لنظرية الذكاءات المتعددة، هناك نوع من الذكاء اسمه الذكاء الوجدانى أو الاجتماعى Emotional، وهو قدرة الشخص على التعامل مع نوعيات مختلفة من البشر، وفى ظروف متغيرة وبتعقيدات كثيرة متنوعة طبقا لطبيعة العمل، وفى الولايات المتحدة الأمريكية توجد قاعدة معروفة فى أجواء العمل وهى أن الإنسان يتم تعينه طبقا لكفاءته ومعدل ذكائه intelligence بينما تتم ترقيته فى العمل ويصل إلى مناصب عليا قيادية بحسب درجة ذكائه الاجتماعى أو الوجدانى Emotional.
ومن أكثر الأمثلة شيوعا فى أمريكا لتوضيح نوعى الذكاء العادى والاجتماعى هما الرئيسين جيمى كارتر، ورونالد ريجان، كارتر كان ذكاؤه العادى مرتفع جدا جدا، لكن ذكاؤه الاجتماعى (الوجدانى) كان منخفضاً، والعكس صحيح، رونالد ريجان كان ذكاؤه الوجدانى مرتفع جدا وذكاؤه العادى متوسط، والواقع أن ريجان كان أكثر نجاحاً من كارتر وحكم فترتين وكان محبوبا جدا من معظم الأمريكيين.
الذكاء العادى وراثى
ويشير إلى أن الذكاء العادى وراثى ولا يمكن زيادته إلا فى حدود ضيقة جدا جدا، أما الذكاء الاجتماعى فعلى الرغم من أنه مرتفع لدى بعض البشر ومنخفض لدى آخرين، إلا أنه يمكن اكتسابه من خلال دورات معينة وورش عمل للتعرف على أنماط الشخصية ومعرفة نقاط القوة والضعف فيها، والعمل على تعظيم نقاط القوة، وعلاج نقاط الضعف. فعلى سبيل المثال وليس الحصر الشخصيات الباحثة عن الكمال ذات القدرات التحليلية العالية تميل إلى الانطواء وقلة الكلام وتفضل جدا العمل الروتينى المنتظم، ولا تفضل كثيرا أجواء العمل المتغيرة بعكس الشخصيات الاجتماعية المنبسطة، والتى تحب الكلام والتحدث والتعامل كثيرا مع البشر، فهى تجيد بل وتفضل أجواء العمل المتغيرة من حيث المكان والزمان وتفضل التنقل من عمل لآخر وهكذا.
اختر الشخص المناسب للمكان المناسب فى التوقيت المناسب
ويضيف بأنه وفقا لعلم النفس الإدارى Organisational Behaviour فإن أهم شىء هو تعيين الشخص المناسب فى المكان المناسب والوقت المناسب؛ لذلك يفضل تعيين شخص منطوى فى مهنة تحتاج للتعامل مع الجمهور مثل: التسويق أو العلاقات العامة، ولكن يفضل الأشخاص الذين يتمتعون بذكاء اجتماعى عالٍ، فى المقابل لا يفضل تعيين شخص منبسط فى مهنة ذات طابع هادئ مثل إدخال المعلومات، أو تطبيق معايير الجودة، فطبيعة هذه المهنة يفضل معها الأشخاص الانطوائيين ذو الشخصية الباحثة عن الكمال، وإذا كانت الاحتياجات النفسية للمهنة تختلف عن نمط الشخصية فيجب تهيئة الشخص للواقع الجديد من خلال دورات عن الذكاء الاجتماعى؛ لإكسابه مهارة التعامل مع أنماط مختلفة عنه وإكسابه المرونة فى التعامل مع المتغيرات، وبهذه الدورات والمشورة النفسية الصحيحة يصل الإنسان إلى السواء النفسى أو الصلابة النفسية.
صلابتك النفسية مهمة من أجل الفاعلية والتكيف
ويوضح الدكتور أمجد خيرى بأن الصلابة النفسية هى القدرة على ممارسة الحياة العملية والنشاط اليومى بطريقة تحقق الفاعلية والاستقلال المناسب، والتكيف مع المجتمع إلى جانب ممارسة كل القدرات والطاقات مع تحقيق درجة من التوازن الذاتى، الذى تنتفى معه درجات كبيرة من المعاناة، وبذلك تصبح الصلابة النفسية باختصار هى الفاعلية والتوازن والتكيف مع الآخرين.