(فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاقٍ فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم "137")
نقول إن السؤال الذي يطرح نفسه بالنسبة لهذه الآية .. هل لما آمنا به مثل حتى يؤمنوا به؟ إنك لكي تؤمن لابد أن تقول لا إله إلا الله محمد رسول الله .. فهل إذا قالها أحد بعدك يكون قال ما قلته أم مثل ما قلته؟ يكون قال مثل ما قلت. أي إنني حين أعلن إيماني وآخذ الشهادة التي قلتها أنت أكون قد قلت مثلها لأن ما نطقت به لا يفارقك أنت .. ولكني إذا صنعت شيئا وقلت لغيري اصنع مثله، هو سيصنع شيئا جديدا ولن يصنع ما صنعته أنا. الشيء نفسه حين تقول لي: تصدق بمثل ما تصدق به فلان. لن تكون الصدقة هي المال نفسه بل تكون مثله. نقول لمن يردد هذا الكلام: إنك لم تفهم المعنى إيمانهم أن يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله وإيمان غيرهم أن يقولوا مثل هذه العبارة أي أن يعلنوا إيمانهم مثلنا بالله ورسوله .. فالمثل هنا يرتبط بالشهادة وكل من آمن بالإسلام نطق بالشهادتين مثل من سبقوه في الإيمان. فالمثلية هنا في العبارة وإيمانهم هو أن يقولوا مثل ما قلنا.
يقول الحق تبارك وتعالى: "فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا" أي اهتدوا إلي الحق .. "وإن تولوا فإنما هم في شقاق" وتولوا يعني أعرضوا، وشقاق يعني خلافا معكم وخلافا مع بعضهم البعض؛ فلكل منهم وجهة نظر يدعيها، وهداية اخترعها .. حتى إذا التقوا في الكفر فلن يلتقوا في أسباب الكفر كل واحد اتخذ سببا ولذلك اختلفوا .. والشقاق من المشقة والنزاع والمشاجرة، والشق هو الفرقة بين شيئين. وقوله تعالى: "فسيكفيكهم الله" أي لا تلتفت إلي معاركهم ولا إلي حوارهم فالله يكفيك بكل الوسائل عمن سواه واقرأ قوله سبحانه:
{أليس الله بكافٍ عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هادٍ "36"}
(سورة الزمر)
الله سبحانه وتعالى يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم إذا حاول اليهود والنصارى والمنافقون أن يكيدوا لك ويؤذوك والمؤمنين، فالله سبحانه وتعالى يكفيك لأنه عليم سميع بصير لا يخفي عليه شيء .. ولقد حاول اليهود قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم اكثر من مرة وحاولوا إيذاءه بالسحر فأبطل الله كيدهم وأظهر ما خفي منه وأطلع رسوله عليه .. فمهما استخدموا من وسائل ظاهرة أو خفية فسيكفيك الله شرها ولذلك قال تعالى: "فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم" .. أي سميع بما يقال، عليم بما يدبرونه. بل يعلم ما في صدورهم قبل أن ينطقوا به .. فلا تعتقد أن شيئا يفوت على الله سبحانه أو يفلت منه. إن كل حركة قبل أن تحدث يعلمها سبحانه، وكل كيد قبل أن يتم هو محبطه. فإذا كان الله سبحانه وتعالى معك فماذا تخشى؟ وممن تخاف؟ ومن ذا الذي يستطيع أن يصل إليك؟. وأنت معك عليم بكل ما سيحدث حتى يوم القيامة وبعد يوم القيامة .. ومادام معك القوي الذي لا يضعف أبدا والحي الذي لا يموت أبدا والعليم بكل شيء فلا تخشى أحد لأنك في أمان الله سبحانه.