لاشك أن الشجاعة صبر في ساحات القتال والوغى ، وفيها ضبط النفس عن مثيرات الخوف حتى لا يجبن الإنسان في المواضع التي
تحسن فيها الشجاعة ويقبح فيها الجبن ويكون شرا ، ومن هذه الأمثلة يجد الإنسان أن النبي صلى الله عليه وسلم خير قدوة
وخير مثال في ذلك ؛
ولهذا جاهد في سبيل الله : بالقلب ، واللسان ، والسيف ، والسنان ، والدعوة والبيان ، وقد أرسل ستا وخمسين سرية ،
وقاد بنفسه سبعا وعشرين غزوة ، وقاتل بنفسه في تسع من غزواته ومن ذلك الأمثلة الآتية :
المثال الأول : شجاعته صلى الله عليه وسلم في معركة بدر الكبرى :
من مواقفه التي تزخر بالحكمة في هذه الغزوة :
" أنه صلى الله عليه وسلم استشار الناس قبل بدء المعركة ؛
لأنه صلى الله عليه وسلم يريد أن يعرف مدى رغبة الأنصار في القتال ؛ لأنه شرط له في البيعة أن يمنعوه في المدينة
مما يمنعون منه أنفسهم وأموالهم وأبنائهم وأزواجهم ،
أما خارج المدينة فلم يحصل أي شرط ، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يستشيرهم ، فجمعهم صلى الله عليه وسلم واستشارهم ،
فقام أبو بكر - رضي الله عنه - فقال وأحسن ، ثم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -
فقال وأحسن ، ثم استشارهم ثانيا ، فقام المقداد فقال :
يا رسول الله ، امض لما أمرك الله فنحن معك ،
والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ،
ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون ،
[ نقاتل عن يمينك ، وعن شمالك ، ومن بين يديك ، ومن خلفك ، ثم استشار الناس ثالثا ،
ففهمت الأنصار أنه يعنيهم ، فبادر سعد بن معاذ فقال : يا رسول الله كأنك تريدنا ]
، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعنيهم ،
لأنهم بايعوه على أن يمنعوه من الأحمر والأسود في ديارهم ، فلما عزم على الخروج استشارهم ؛
ليعلم ما عندهم ، فقال له سعد : لعلك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقا عليها أن لا ينصروك إلا في ديارها ،
وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم :
فاظعن حيث شئت ، وصل حبل من شئت ، واقطع حبل من شئت ، وخذ من أموالنا ما شئت ،
وأعطنا ما شئت ، وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت ،
وما أمرتنا فيه من أمر فأمرنا تبع لأمرك ،
فوالله لئن سرت حتى تبلغ البرك من غمدان لنسيرن معك ، والذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ،
ما تخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدوا غدا ، إنا لصبر في الحرب ، صدق في اللقاء ،
ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله ، فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسر بما سمع ،
ونشطه ذلك ، ثم قال : سيروا وأبشروا ، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين ؛ ولكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم " شجاعته .
ومن مواقفه العظيمة في بدر :
اعتماده على ربه - تبارك وتعالى - ؛ لأنه قد علم أن النصر لا يكون بكثرة العدد ولا العدة ،
وإنما يكون بنصر الله - عز وجل - مع الأخذ بالأسباب والاعتماد على الله .
عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال :
شجاعته لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف ،
وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا ،
فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة ، ثم مد يديه ، فجعل يهتف بربه "
اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض" ،
فما زال يهتف بربه ، مادا يديه ، مستقبل القبلة ،
حتى سقط رداؤه عن منكبيه ، فأتاه أبو بكر ، فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ، ثم التزمه من ورائه ، وقال :
يا نبي الله كفاك مناشدة ربك ، فإنه سينجز لك ما وعدك ،
فأنزل الله - عز وجل - :
شجاعته إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين شجاعته
فأمده الله بالملائكة شجاعته .
وقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من العريش وهو يقول : شجاعته سيهزم الجمع ويولون الدبر شجاعته
وقاتل صلى الله عليه وسلم في المعركة ، وكان من أشد الخلق وأقواهم وأشجعهم ، ومعه أبو بكر - رضي الله عنه -
كما كانا في العريش يجاهدان بالدعاء والتضرع ، ثم نزلا فحرضا ، وحثا على القتال ،
وقاتلا بالأبدان جمعا بين المقامين الشريفين .
وكان أشجع الناس الرسول صلى الله عليه وسلم ، فعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال :
شجاعته لقد رأيتنا يوم بدر ، ونحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو ،
وكان من أشد الناس يومئذ بأسا شجاعته .
وعنه - رضي الله عنه - قال :
شجاعته كنا إذا حمي البأس ، ولقي القوم القوم اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يكون أحدنا أدنى إلى القوم منه شجاعته
كتاب رحمة للعالمين