( ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما ( 59 ) لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ( 60 ) ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا ( 61 ) سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ( 62 ) ) .
يقول تعالى آمرا رسوله ، صلى الله عليه وسلم تسليما ، أن يأمر النساء المؤمنات - خاصة أزواجه وبناته لشرفهن - بأن يدنين عليهن من جلابيبهن ، ليتميزن عن سمات نساء الجاهلية وسمات الإماء . والجلباب هو : الرداء فوق الخمار . قاله ابن مسعود ، وعبيدة ، وقتادة ، والحسن البصري ، وسعيد بن جبير ، وإبراهيم النخعي ، وعطاء الخراساني ، وغير واحد . وهو بمنزلة الإزار اليوم .
قاله الجوهري : الجلباب : الملحفة ، قالت امرأة من هذيل ترثي قتيلا لها :
تمشي النسور إليه وهي لاهية مشي العذارى عليهن الجلابيب
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في [ ص: 482 ] حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ، ويبدين عينا واحدة .
وقال محمد بن سيرين : سألت عبيدة السلماني عن قول الله تعالى : ( يدنين عليهن من جلابيبهن ) ، فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى .
وقال عكرمة : تغطي ثغرة نحرها بجلبابها تدنيه عليها .
وقال ابن أبي حاتم : أخبرنا أبو عبد الله الظهراني فيما كتب إلي ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن ابن خثيم ، عن صفية بنت شيبة ، عن أم سلمة قالت : لما نزلت هذه الآية : ( يدنين عليهن من جلابيبهن ) ، خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من السكينة ، وعليهن أكسية سود يلبسنها .
وقال ابن أبي حاتم ، حدثنا أبي ، حدثنا أبو صالح ، حدثني الليث ، حدثنا يونس بن يزيد قال : وسألناه يعني : الزهري - : هل على الوليدة خمار متزوجة أو غير متزوجة ؟ قال : عليها الخمار إن كانت متزوجة ، وتنهى عن الجلباب لأنه يكره لهن أن يتشبهن بالحرائر إلا محصنات . وقد قال الله تعالى : ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ) .
وروي عن سفيان الثوري أنه قال : لا بأس بالنظر إلى زينة نساء أهل الذمة ، إنما ينهى عن ذلك لخوف الفتنة; لا لحرمتهن ، واستدل بقوله تعالى : ( ونساء المؤمنين ) .
وقوله : ( ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) أي : إذا فعلن ذلك عرفن أنهن حرائر ، لسن بإماء ولا عواهر ، قال السدي في قوله تعالى : ( [ يا أيها النبي ] قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) قال : كان ناس من فساق أهل المدينة يخرجون بالليل حين يختلط الظلام إلى طرق المدينة ، يتعرضون للنساء ، وكانت مساكن أهل المدينة ضيقة ، فإذا كان الليل خرج النساء إلى الطرق يقضين حاجتهن ، فكان أولئك الفساق يبتغون ذلك منهن ، فإذا رأوا امرأة عليها جلباب قالوا : هذه حرة ، كفوا عنها . وإذا رأوا المرأة ليس عليها جلباب ، قالوا : هذه أمة . فوثبوا إليها .
وقال مجاهد : يتجلببن فيعلم أنهن حرائر ، فلا يتعرض لهن فاسق بأذى ولا ريبة .
وقوله : ( وكان الله غفورا رحيما ) أي : لما سلف في أيام الجاهلية حيث لم يكن عندهن علم بذلك .
ثم قال تعالى متوعدا للمنافقين ، وهم الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر : ( والذين في قلوبهم مرض ) قال عكرمة وغيره : هم الزناة هاهنا ( والمرجفون في المدينة ) يعني : الذين يقولون : " جاء [ ص: 483 ] الأعداء " و " جاءت الحروب " ، وهو كذب وافتراء ، لئن لم ينتهوا عن ذلك ويرجعوا إلى الحق ( لنغرينك بهم ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : أي : لنسلطنك عليهم . وقال قتادة ، رحمه الله : لنحرشنك بهم . وقال السدي : لنعلمنك بهم .
( ثم لا يجاورونك فيها ) أي : في المدينة ) إلا قليلا ملعونين ) حال منهم في مدة إقامتهم في المدينة مدة قريبة مطرودين مبعدين ، ( أين ما ثقفوا ) أي : وجدوا ، ( أخذوا ) لذلتهم وقلتهم ، ( وقتلوا تقتيلا ) .
ثم قال : ( سنة الله في الذين خلوا من قبل ) أي : هذه سنته في المنافقين إذا تمردوا على نفاقهم وكفرهم ولم يرجعوا عما هم فيه ، أن أهل الإيمان يسلطون عليهم ويقهرونهم ، ( ولن تجد لسنة الله تبديلا ) أي : وسنة الله في ذلك لا تبدل ولا تغير .