( ادْعُـواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ،
وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُـوهُ خَوْفاً
وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ) .
الدعاء يدخل فيــه دعـــاء المسألة ، ودعاء العبادة ،
فأمــــر بدعائه ( تَضَرُّعًا ) أي: إلحاحا في المسألة ،
ودُءُوبا في العبادة،( وَخُفْيَةً ) أي: لا جهرا وعلانية
يخاف منه الرياء ، بل خفية وإخلاصا للّه تعالى .
( إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) أي : المتجاوزين للحد فــي
كل الأمور ، ومـــن الاعتداء كــــون العبد يسأل اللّه
مسائل لا تصلح له، أو يتنطع في السؤال ، أو يبالغ
في رفع صوته بالدعاء، فكل هذا داخل في الاعتداء
المنهي عنه .
( وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ ) بعمــــل المعاصي ( بَعْـــدَ
إِصْلاَحِهَا ) بالطاعات ، فإن المعاصي تفسد الأخلاق
والأعمال والأرزاق ، كمــا قـال تعالى ( ظَهَرَ الْفَسَادُ
فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ) كمـــــا أن
الطاعات تصلح بها الأخلاق والأعمال والأرزاق
وأحوال الدنيا والآخرة .
( وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَــــعـــاً ) أي : خوفا من عقابه ،
وطمعا في ثوابه، طمعا في قبولها، وخوفا من ردها،
لا دعاء عبد مدل على ربه قد أعجبته نفسه ، ونزل
نفسه فوق منزلته، أو دعاء من هو غافل لاهٍ .
وحاصل مـا ذكـر اللّه مــــن آداب الدعاء : الإخلاص
فيه للّه وحــده ، لأن ذلك يتضمنه الخفية ، وإخفاؤه
وإسراره ، وأن يكــون القلــب خائفا طامعا لا غافلا
ولا آمنا ولا غير مبال بالإجابة ، وهـــذا من إحسان
الدعاء، فإن الإحسان في كل عبادة بذل الجهد فيها،
وأداؤها كاملة لا نقص فيها بوجــه مـــن الوجوه ،
ولهذا قــال ( إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ )
في عبادة اللّه ، المحسنين إلى عباد اللّه ، فكلمـــا
كان العبد أكثر إحسانا، كان أقرب إلى رحمة ربه،
وكان ربه قريبا منه برحمته، وفي هذا من الحث
على الإحسان ما لا يخفى .
الكتاب تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص 291)
للشيـــخ : عبد الرحمن السعـدي رحمه الله تعالى