وى الإمام أحمد من حديث أبي بن كعب : ان رجلا اعتزى بِعزاء الجاهلية فأعضَّه ولم يَكْنِه ، فنظر القوم إليه ، فقال للقوم : إني قد أرى الذي في أنفسكم ! إني لم أستطع إلاَّ أن أقول هذا ؛ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَرَنا إذا سمعتم مَن يعتزى بعزاء الجاهلية فأعِضُّوه ولا تَكْنُوا .
وفي رواية له : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : مَن تَعَزّى بعزاء الجاهلية فأعِضّوه ولا تَكْنُوا .
وفي رواية له : قال أبي : كنا نؤمر إذا الرجل تعزّى بعزاء الجاهلية فأعِضّوه بِهَنِ أبيه ولا تَكْنُوا .
وفي رواية للنسائي في الكبرى من طريق عُتيّ بن ضمرة قال : شهدته يوما - يعني أُبَيّ بن كعب - وإذا رجل يتعزى بعزاء الجاهلية ، فأعَضَّه بِأيْـرِ أبيه ولم يَكنه ، فكأن القوم استنكروا ذلك منه فقال : لا تلوموني ! فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لنا : من رأيتموه يتعزى بعزاء الجاهلية فأعِضوه ولا تَكنوا .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وَكُلُّ مَا خَرَجَ عَنْ دَعْوَةِ الإِسْلامِ وَالْقُرْآنِ : مِنْ نَسَبٍ أَوْ بَلَدٍ أَوْ جِنْسٍ أَوْ مَذْهَبٍ أَوْ طَرِيقَةٍ ؛ فَهُوَ مِنْ عَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ . اهـ .
والمقصود العصبية لهذه الأشياء المذكورة ، وليس الانتساب ولا معرفة النسب من ذلك .
فإنه رحمه الله قال: وَمَعْنَى قَوْلِهِ : " مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ " يَعْنِي يَعْتَزِي بِعِزْوَاتِهِمْ ، وَهِيَ الانْتِسَابُ إلَيْهِمْ فِي الدَّعْوَةِ مِثْلَ قَوْلِهِ : يَا لِقَيْسِ يَا ليمن وَيَا لِهِلالِ وَيَا لأَسَدِ ، فَمَنْ تَعَصَّبَ لأَهْلِ بَلْدَتِهِ أَوْ مَذْهَبِهِ أَوْ طَرِيقَتِهِ أَوْ قَرَابَتِهِ أَوْ لأَصْدِقَائِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ كَانَتْ فِيهِ شُعْبَةٌ مِنْ الْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى يَكُونَ الْمُؤْمِنُونَ كَمَا أَمَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مُعْتَصِمِينَ بِحَبْلِهِ وَكِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ . فَإِنَّ كِتَابَهُمْ وَاحِدٌ وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ وَنَبِيُّهُمْ وَاحِدٌ وَرَبُّهُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ لا إلَهَ إلا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ .
وقال الفيروزآبادي : وفي الحديث " من تَعَزَّى بعزَاء الجاهِلِيَّةِ ، فأَعِضّوهُ بهنِ أبيه ، ولا تَكْنُوا " ، أي قُولوا له اعْضُضْ أيْرَ أبيكَ ، ولا تَكْنُوا عنه بالْهَنِ .
وكذلك قال ابن منظور في " لسان العرب " فإنه قال : وفي الحديث " من تَعَزَّى بِعَزاءِ الجاهلية فأَعِضُّوه بِهَنِ أَبيه ولا تَكْنُوا " أَي : قُولوا له : اعْضَضْ بأَيْرِ أَبيك ولا تكنوا عن الأَير بِالْهَن تنكيلاً وتأْديباً لمن دعَا دَعْوى الجاهلية .
والله تعالى أعلم .
الشيخ السحيم جفظه الله