[size=32]بسم الله الرحمن الرحيم [/size]
[size=32]،[/size]
[size=32]الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد صلى الله عليه وآله أجمعين. وبعد:[/size]
لا ريب أن المحافظة على سنة النبي صلى الله عليه وسلم من أجل الفرائض الشرعية الإسلامية، والتي ينبغي على المسلم أن ينقاد لها ويسلم ويذعن ، إذ أن نجاة العبد في متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وملازمة سنته والسير على هديه ومنهاجه كما قال تعالى: \"من يطع الرسول فقد أطاع الله\" (النساء:80)، وقال تعالى: \" وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله\" (الحشر:7)، إلى غير ذلك من الآيات....
[size=32]ولنقف على شيء من هذا الباب الماتع في بيان فضيلة ملازمة المسلم للسنة وآدابها ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما جاء به من الشرع، حتى نقف على شيء من فضل هذه المتابعة، وذلك من خلال بيان بعض السنن النبوية.[/size]
[size=32]فمن ذلك حديث أبي موسى رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ قال: احترق بيت بالمدينة على أهله من الليل، فلما حدث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بشأنهم قال: \" إن هذه النار عدو لكم فإذا نمتم فأطفئوها عنكم\" متفق عَلَيْهِ.[/size]
[size=24]وهذا الحديث النبوي لنا معه عدة وقفات ودروس مهمة فمن ذلك ما يلي:
أولاً: رحمة النبي صلى الله عليه وسلم وحرصه علينا:
ففي هذا الحديث بيان لرحمة النبي صلى الله عليه وسلم وحرصه علينا، فالنبي صلى الله عليه وسلم أحرص الخلق على أمته، هداية وإيماناً ، وأمناً وسلامة، قال الله تعالى عنه:\"بالمؤمنين رؤوف رحيم\"، ولهذا لما أخبر بشأن هذا البيت الذي احترق في المدينة أرشدهم ووجههم وعلمهم أن يأخذوا حذرهم ، وأن يطفؤوا نارهم الموقدة عند النوم\" إن هذه النار عدو لكم فإذا نمتم فأطفئوها عنكم\"، وفي هذا حرص على الأمة وسلامتها مما يقع بها من سوء أو ضرر، مما يدل على محبة النبي صلى الله عليه وسلم لها وتعليمها ما يحفظ أمنها وسلامتها، وكيف لا وبعثته في ذاتها نجاة للبشرية من وعيد الله وعذابه الأليم في النار يوم القيامة لمن آمن به وصدقه واتبع النور الذي جاء به:\"الذين يتبعون الرسول النبي الأمي..الآية\".[/size]
ثانياً: بيان خطر النار ووجوب الحظر من شرها:
وفي هذا الحديث بيان نبوي تحذيري من خطر النار وشدتها، لأن النار ولا ريب خطر ماحق، وشر محرق مهلك لو أمسكت شيئاً من المتاع أو حتى المخلوقات قل أن تنجوا وأن تسلم من شرها إلا ما رحم الله، وقد أمرت السنة كثيراً بأن يستعيذ العبد من شر النار وشر العذاب والجحيم فيها في دار الآخرة ، لأن الله تعالى توعد بالنار يوم القيامة أصحاب القلوب القاسية ، وتوعد بها العصاة والكفار والمجرمين، الذين تعدوا حدود الله تعالى ومحارمه في هذه الدنيا، والذين لم يتبعوا كتبه ولا رسله عليهم السلام، وكفروا بهم وكذبوهم وآذوهم، توعدهم بالدخول فيها والعذاب الشديد عياذاً بالله تعالى والقرآن والسنة فيهما الكثير من هذا الوعيد والتحذير.
فالآيات والأحاديث في ذلك بينة واضحة فمن ذلك قول الله تعالى:\" وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ\"(الزمر:60)
وقوله تعالى:\" وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ{71} قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ{72}(الزمر:72،71)
وقوله تعالى:\" وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً\"(الكهف:29).
وأما من السنة النبوية فاستعاذة النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد من عذاب النار ومن عذاب القبر فعنْ أبي هُريْرة رضي اللَّه عَنْهُ أنَّ رسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ : « إذا تَشَهَّد أَحدُكُمْ فَليسْتَعِذ بِاللَّه مِنْ أرْبَع ، يقولُ : اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ عذَابِ جهَنَّمَ ، وَمِنْ عَذَابِ القَبرِ، وَمِنْ فِتْنةِ المحْيَا والمَماتِ ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ المَسِيح الدَّجَّالِ » . رواه مسلم،
وَعَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كَانَ يَدعو بهؤُلاءِ الكَلِمَاتِ : «اللَّهُمَّ إِني أَعوذُ بِكَ مِن فِتنةِ النَّارِ ، وعَذَابِ النَّارِ ، وَمِن شَرِّ الغِنَى وَالفَقْر » ، رَوَاهُ أَبو داوَد ،
والترمذيُّ وقال : حديث حسن صحيح ، وهذا لفظُ أَبي داود، وعَنْ أَنَسٍ رَضي اللَّه عنْهُ ، قَالَ : كانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « اللَّهُمَّ آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً ، وفي الآخِرةِ حَسنَةً ، وَقِنَا عَذابَ النَّارِ » مُتَّفَقٌ عليهِ .
ومن هنا فالنار إذا أحرقت لا تتوقف إلا نادراً وأنى لأحد أن يوقفها وأمرها بيد الله تعالى، فالواجب على كل مسلم الحذر منها ومن خطرها وشرها، فكم أحرقت من أناس وشردت من بيوت، وكم أكلت من أموال وتجارات، وكم تركت غابات رماداً يذروه الرياح، وكم وكم
فعلى المسلم أن يعلم هذا الأدب النبوي من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يطفأ النار في بيته وأن يقوم بتعليم زوجته وأولاده هذا الهدي النبوي حتى لا تقع المخاطر ونحن في غفلة من أمرنا، ومن أمثال ذلك إطفاء آلة الكي والتدفئة والسخانات وما يشابها إذا خيف وقوع الضرر منها أما إذا أمن الضرر فنرجو ألا حرج على المسلم فيه ، ونسأل الله العصمة والسلامة.
ثالثاً: النوم آية من آيات الله فلنعتبر ولنأخذ حذرنا:
وفي الحديث بيان أيضاً لخطر الغفلة بالنوم وأن العبد لا بد له من سنة الغفلة والنوم، لأن الله تعالى جعل النوم آية من آياته في الليل خاصة، وجعله سباتاً وسكناً وراحة للإنسان من عناء العمل والحياة وآلامها ومتاعبها أثناء السعي في النهار، كما قال تعالى في كتابه:\" وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ \"(الروم:23)،
وكما قال تعالى:\" وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً{9} وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً{10} وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً{11}\"(النبأ:9-11).
فإذا أصاب العبد النوم دخل معه الخمول والارتخاء والتكاسل فلا يدرك كثيراً ما يقع وما يدور حوله ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم\"رفع القلم عن ثلاث..فذكر..وعن النائم حتى يستيقظ\"، لأن النوم شبيه بالموت وأخ له ولهذا سمى بالموتة الصغرى وكما قال سبحانه يبين هذا المعنى في كتابه العزيز:\" اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ\"(الزمر:42).
ومن هنا يعتبر المسلم من كل وقت ينام فيه ليأخذ منه استعداده للدار الآخرة ، ويعلم كذلك قصر الحياة الدنيا، وآية الله تعالى وقدرته في النوم بينة بذلك.
**
جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة فجاءت بها فألقتها بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الخمرة التي كان قاعداً عليها، فأحرقت منها مثل موضع الدرهم فقال: \" إذا نمتم فأطفئوا سرجكم فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فتحرقكم\".
فهذا الحديث يفيد أن الفأرة من المخلوقات الممقوتة، كما دل على أنها من جنود الشيطان الرجيم الذي يجر به الإفساد إلى بيوت المسلمين، وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم: \"فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فتحرقكم\"، وكيف لا والفأرة من الفويسقات التي تقتل في الحل والحرم، فعلى المسلم الحذر منها، وتطهير البيت من شرورها، فكم أكلت من كتب علم وهداية، وكم أبلت من ملابس وكساء، وكم أفسدت من طعام، وكم أحرقت من بيوت، وتطهير البيت منها يجنب المسلم ذلك كله بأمر الله تعالى.
**