حضور القلب
إعلم أن المؤمن لابد أن يكون مُعَظما ًلله عز وجل وخائفا منه وراجيا لهومُستحييا من تقصيره ، فلا ينفك عن هذه الأحوال بعد إيمانه وإن كانت قوتها بقدر قوة يقينه ، فانفكاكه عنها فى الصلاة لاسبب له إلا تفرق الفكر وتقسُّم الخاطر وغيبةالقلب عن المناجاة والغفلة عن الصلاة ، ولا يلهى عن الصلاة إلا الخواطر الواردةالشاغلة ؛ فالدواء فى إستحضار القلب هو دفع تلك الخواطر ولا يدفع الشئ إلاَّ بدفع سببه .
وسبب موارد الخواطر إما أن يكون أمرا ًخارجا أو أمرا فى ذاته باطنا ؛ أماالخارج فما يقرع السمع أو يظهر للبصر ، فإن ذلك قد يختطف الهمم حتى يتبعه ويتصرَّف فيه ، ثم تنْجَر منه الفكرة إلى غيره ويتسلسل ، ويكون الإبصارسببا للإفتكار ، ثم تصيربعض تلك الأفكار سببا للبعض ، ومن قويت نيته وعلت ِهمَّته لم يُلهه ما جرى على حواسه ، ولكن الضعيف لابد أن يتفرق به فكره .
وعلاجه قطع هذه الأسباب بأن يغض بصره أو يُصلى فى مكان مُظلم ، أو لايترك بين يديه ما يُشغل حِسَّه ، ويقرب من حائط عن صلاته حتى لاتتسع مسافة بصره ،ويحترز من الصلاة على الشوارع ، وفى المواضع المنقوشة المصنوعة ، وعلى الفرش المصبوغة ، ولذلك كان المتعبدون يتعبدون فى بيت صغير مُظلم سعته قدرالسجود ليكون ذلك أجمع للهمم والأقوياء منهم كانوا يحضرون المساجد ويغضون البصر ولا يجاوز به موضع السجود ، ويرون كمال الصلاة فى أن لايعرفوا من على يمينهم وشمالهم ؛ وقد كان إبن عمر رضى الله عنهما لايدع فى موضع الصلاة مصحفا ولاسيفا إلا ونزعه ولا كتابا إلا محاه .
أماالأسباب الباطنة فهى أشد ؛ فإن من تشعَّبت به الهموم فى أودية الدنيالاينحصرفكره فى جانب واحد ؛ بل لايزال يطير من جانب إلى جانب ، وغض البصرلايُغنيه ، فإن ما وقع فى القلب من قبل كاف لشغله ، فهذا طريقه أن يردالنفس قهرا إلى فهم ما يقرأه فى الصلاة ويشغلها به عن غيره . ويُعينه علىذلك أن يستعد قبل التحريم بأن يحدد على نفسه ذكر الآخرة وموقف المناجاة وخطر المقام بين يدى الله سبحانه وتعالى وهو المطلع ويُفرغ قلبه قبلالتحريم بالصلاة فلا يترك لنفسه شغلا يلتفت إليه خاطره .
اللهم نسألك العافية فى الدنيا والآخرة
[center]